<blockquote class="postcontent restore">
مفهوم الاسرة والعائلة بين الإسلام والغرب
بسم الله الرحمن الرحيم
قبل ظهور الكيانات القطرية والحدود السياسية للدول كان الكيان الجامع لكل
مجموعة بشرية متجانسة هو القبيلة. حيث كان افراد القبيلة يجتمعون في مكان
واحد يقودهم راس القبيلة .( و القبلية اوضح ما تكون عند العرب او على الاقل
هذا مدى علمنا). وكانت القبيلة عندما يكثر افرادها وتتسع تتشعب الى بطون
وافخاذ واحيانا تتولد قبيلة من اخرى وهكذا. وكان الانتساب الى القبيلة(
ابويا )بمعنى ان الابن ينتسب الى قبيلة ابيه . وكانت المراة اذا تزوجت من
قبيلة اخرى ( ولم يكن يحدث دائما) يظل ولاؤها الى قبيلة ابيها بينما ينتمي
ابناؤها الى قبيلة زوجها. ولذلك عندما قتل جساس بن مرة صهره كليب بن ربيعة
قامت ابنة كليب بطرد امها جليلة بنت مرة (شقيقة جساس) من مضارب القبيلة
وتركوها ترجع ذليلة الى قبيلتها بالرغم من كبر مصيبتها لان اخاها قتل زوجها
.
الاسلام لم يقر القبلية وحارب العصبية وحمية الجاهلية وذكر الناس بانهم
كلهم من اب وام واحدة ولكن بقي كيان العائلة وازداد رسوخا وقوة بفضل صلة
الرحم ومكانتها في الاسلام. وصار واجبا على المسلم ان يهتم بمعرفة اصوله
وفروعه حرصا على صلة الرحم لما في ذلك من الثواب العظيم.
ولكن بقي من النظام القبلي القديم ان الانتساب الى العائلة ما زال ابويا
حيث ينتسب الشخص الى عائلة ابيه ويحمل الابناء الذكور لواء العائلة للاجيال
القادمة بينما تقدم البنت ابناءها هدية لعائلة اخرى. وتنقطع النسبة الى
العائلة عندالبنت. والله اعلم
ومفهوم العائلة بين الإسلام والغرب
يختلف النظام الأسري من مجتمع وإلى آخر , وتلعب العادات والتقاليد دورا
كبيرا في تحديد مفاهيم النظام الأسري , كما أنّ الدين يلعب أكبر الأدوار في
صياغة بنيويّة النظام الأسري وهذا ما يفسّر التمايز الكبير بين النظام
الأسري في الإسلام والنظام الأسري في الغرب .
ولوضع مقارنة بين النظامين , فلنبدأ بالنظام الأسري في الغرب وذلك من خلال
الواقع الغربي بإعتباري أعيش في الغرب و على تماس كامل بالمعادلة
الإجتماعيّة في الغرب , وبالإستناد إلى مجموعة من المراجع أهمها الكتب
التاليّة :
التركيب الإجتماعي لجورج ميردوخ و الأبعاد القانونيّة للزواج والإجرائيّة
للزواج والطلاق لوليم كيفارت و العائلة في حصار لكريستوفر لاش , و العائلة
الأمريكية في التاريخ لكوردن ميشيل و مستقبل الأمومة لبرنارد جيسي وسلسلة
واسعة من الكتب والمراجع سآتي على ذكرها في طيّات البحث .
أدّى خروج الدين من المعادلة الإجتماعيّة الغربية إلى إيجاد أنماط حياتيّة
جديدة ومسلكيات إجتماعيّة متحررّة لا علاقة لها البتّة لا بالقيّم الدينية
ولا بالقيّم الفلسفيّة , وتحولّت الأسرة من كيان إجتماعي قوامه التداخل
الروحي والمادي بين رجل و إمرأة يجمع بينهما عقد شرعي بحضور رجل دين أو في
الكنيسة إلى مؤسسّة تجاريّة أو شركة قوامها المنفعة والقيّم الماديّة دون
غيرها . والنقلة الملحوظة التي حدثت في الغرب هي أنّ النظام الأسري الذي
كان يقوم على ضرورة مباركة الكنيسة تخلّى عن ذلك وأصبح يكفي أن يطلب الرجل
من المرأة أو العكس المعاشرة في بيت واحد وتحت سقف واحد ودون أن يقيّدا هذه
المعاشرة وقد يلجآن إلى إنجاب الأولاد , وهنا يحثّهما النظام المدني
الغربي على ضرورة تسجيل الأبناء بأسماء الأم المعاشرة أو الأب المعاشر لا
فرق بل يتم ذلك بتوافق المتعاشرين , وقد يحلو لهذين المتعاشرين أن يلجآ إلى
الزواج الكنسي بعد إنقضاء عشرات السنين على عشرتهما وبعد أن يكون قد أنجبا
الأطفال , و يحدث ذلك بإستمرار في العواصم الغربية .
وقد أدّى خروج الدين من النظام الأسري الغربي إلى التحررّ الكامل والمطلق
من كل الإلتزامات , فالرجل يعيش مع زوجته بمنطق الشراكة , فكثيرا ما
يقسمّان حياتهما الرجل يدفع الإيجار والمرأة تدفع فواتير الكهرباء والهاتف ,
ويتمّ تقسيم الحياة تقسيما دقيقا يخضع للمنطق الرياضي في أدقّ التفاصيل ,
وحتى في البيت يجرى تقييد الممتلكات بإسم مشتريها وكثيرا ما يحدث أن تكون
الأدوات الكهربائية للرجل والأرائك على سبيل المثال للمرأة , وهذا ما يفسّر
سهولة الإنفصال حيث يكون معلوما أنّ هذه الأشياء للرجل وهذه الأشياء
للمرأة فيتم الإنفصال بدون معضلات .
وكثيرا ما تحب المرأة رجلا غير عشيرها فتخبر عشيرها بذلك ويقع الإنفصال
تلقائيا وبدون كثير عناء , ويتوافقان على أمر الأولاد حيث إذا تمّ رفض
رعايتهما من الجانبين تقوم المحاكم عندها بالتدخل لتوزّع الأولاد على الرجل
والمرأة وفق حصص متكافئة , وإذا لم يكونا أهلا لرعاية الأولاد فعندها يتم
توزيع الأولاد على العوائل الراغبة في رعاية الأطفال بإشراف كامل من
المؤسسات الإجتماعية التي لها سلطة كبيرة في الغرب .
بالإضافة إلى ذلك فإنّ المنطق العائلي الغربي يقضي بأنّ الرجل ليس مكلفا
بإعالة زوجته إقتصاديّا , لأنّه يجب عليها كالرجل الخروج إلى أسواق العمل
والبحث عن عمل وإذا كانت محتاجة فهناك مؤسسّات إجتماعيّة تقدّم مساعدات
إجتماعيّة للمحتاجين . وينعكس خروج المرأة إلى أسواق العمل وقضائها وقتا
طويلا في الخارج مع عشيرها أو زوجها إلى تعريض الأولاد إلى الضياع حيث أصبح
هذا الوضع محفزّا بإتجّاه تعاطي الأولاد للمخدرات وبقيّة المفاسد . وممّا
بدأ ينتشر في الغرب هو التمتّع بالمحرمّات حيث كثيرا ما تكتب بعض الصحف
الغربيّة عن بنت ولدت من أبيها وما شابه ذلك من العناوين المثيرة .
وكثيرا ما يلجأ الأبناء إلى ترك ذويهم إذا بلغوا سن الثامنة عشر , وعندها
يستقّل الإبن بنفسه ماديا وسكنيا وحياتيا وإجتماعيا ولا تصبح له أي علاقة
بوالديه , ويحدث أن يتوفى أحد والديه , فيكلف هذا الإبن إحدى مؤسسات الدفن
لتتولى نقل هذا الميت إلى مثواه الأخير , و سبب ذلك يعود إلى أنّ الطفل
ينشأ وسط قيم ماديّة خالصة ويعيش بين أبوين يتقاسمان الحياة ويحاسب الواحد
منهما الأخر على قطعة خبز , وحتى مفهوم الحبّ في نظر كثير من الغربيين هو
جنس محض وبمعنى أخر الحب هو فعل بيولوجي مادي لا علاقة له بالوجدان و فوق
هذا وذاك في العرف الغربي حاجة بيولوجية محضة قد يحصل عليها المحتاج من
الحيوان إذا أراد ذلك .
وهذا لا يعني أنّ النظام الأسري في الغرب كلّه على هذه الشاكلة بل إنّ هناك
عوائل مازالت محافظة على القيم المسيحية وتطالب بضرورة العودة إلى شرعنة
مؤسسة العائلة بالقيم المسيحية وتطالب بطرد كل دخيل شهواني على الحياة
الغربية وهذا ما أشار إليه بوضوح الباحث الإجتماعي الأمريكي لاسليت بيتر في
كتابه العالم الذي فقدناه و وليتل مارتن في كتابه إنكسار العائلة وماكلين
إلينور في مقالته العلمية بعنوان إشكال العائلة غير التقليدية .
أمّا النظام الأسري في الإسلام فهو يختلف جملة وتفصيلا عن النظام الأسري في
الغرب وفي النظام الرأسمالي حيث العقد الشرعي شرط للزواج , وهناك مجموعة
شروط يجب أن تتحقق في الزوج كما في الزوجة ومن شأن هذه الشروط أن تحصنّ
مؤسسة العائلة في الإسلام وتحفظ الحقوق كما الواجبات , ولم يفض الإسلام في
شيئ مثلما أفاض في بناء الأسرة وآليات ذلك , وقد خصصّ علماء الإسلام كتبا
مفصلّة في فقه الزواج والطلاق وتربية الأولاد وما إلى ذلك من الكتب ذات
الصلة . والذي يجمع بين الزوج والزوجة هو الإسلام هذه البوتقة التي تحوي
كمّا هائلا من القيّم والمبادئ النبيلة والرائعة والكفيلة بصيانة العائلة
من التدهور وحتى مجرّد الخطأ , كما أنّ الزوجين ليس عضوين في شركة ذات حصص
بل هما مكلفان بإعداد نشأ مستقيم للمجتمع الذي إذا تكاملت خلاياه الأولى
تكامل تماما كخلايا الجسد التي إذا إستقامت إستقام الجسد كله , ولذلك واجب
الأب في المؤسسة الأسرية الإسلامية أن ينفق على زوجته وأولاده , بالإضافة
إلى أنّه من شروط الزواج تقديم مهر للمرأة لإشعارها بكرامتها ومكانتها .
وبالإضافة إلى ذلك فإنّ النظام الأسري في الإسلام يجب أن يخضع للإسلام في
تفاصيل مسار العائلة , وحكمة ربط الزوجين بعقد شرعي هو أن تكون المرجعية في
حياة العائلة للشرع الإسلامي الذي يضمن لكل ذي حقّ حقّه .
وعندما بدأت المؤسسّة الأسريّة في العالم العربي والإسلامي تنحو المنحى
الغربي بدأ يدبّ فيها الوهن وأصبحت عرضة لكل العواصف التي تعصف بها لأنّها
تخلّت عن الحصن الذي يحصن الأسرة من كل عوامل الإنهيار والتعريّة . وتكفي
إطلالة واحدة على نسبة الطلاق والحوادث العائلية في المحاكم وصفحات الجرائد
لنكتشف بسهولة أنّ تقليد النظام العائلي الغربي والتخلي عن القيّم
الإسلامية الحضارية من شأنه أن يؤدّي إلى الدمار وهو معاكس تماما للبناء
الذي من أجله وجد النظام العائلي في الإسلام .
</blockquote>
<blockquote class="signature restore">
[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]
</blockquote>